المنطق
لفهم كيف ولماذا استخدمت القوات الحكومية السورية الأسلحة الكيميائية بهذا الشكل وبهكذا إصرار، تعرفنا على عدة أنماط ضمن مجموعة البيانات الخاصة بنا. بالنظر إلى الحوادث المتّسقة وغير المتسقة معاً تمكنّا من الوصول إلى استدلالات تحليلية لتهيئة أرضية لفهمٍ أكثر شمولاً حول دور الأسلحة الكيميائية في الصراع السوري. كخطوة أولى، قمنا بتمشيط مجموعة البيانات بحثاً عن ما یربط الهجمات ببعضها، ما يساعدنا على تقليص مجموعة البيانات الهائلة المتوفرة لدينا إلى حفنة من أنماط الهجوم التي يمكن التعرف عليها. بعد ذلك، استندنا إلى معرفتنا بالتطورات العسكرية والإنسانية التقليدية، مدعّمة بالبحث النوعي، لتحديد مكان هذه الأنماط في السياق الأوسع للحرب الأهلية في سوريا.
وصل النقاط: تحليل الأنماط
أول وأهم أدلة مادية يتم تحصيلها بعد أي اعتداء هي بقايا الذخائر الكيميائية. سواء كانت على حالها أو تم تفجيرها، تخبرنا هذه الأدلة بالكثير عن شكل برنامج الأسلحة الكيميائية السوري وتطوره. بالإضافة إلى المعلومات الجنائية المستقاة من الخبراء في المجال الكيميائي أو المقذوفات، بإمكاننا مراجعة خصائص العشرات من هذه البقايا للتعرف على أنواع الذخائر المحددة. هذه المقاربة مثمرة في سوريا على وجه الخصوص، حيث تم تنفيذ جميع الاعتداءات بالأسلحة الكيميائية تقريباً، من ضمنها تلك التي تحتوي على غازات أعصاب متطايرة وخطيرة للغاية، باستخدام تصاميم ذخائر مرتجلة تم إنتاجها محلياً. بين الحوادث الـ 349، ثلاثة فقط تم التعرف فيها على ذخائر ترجع للاتحاد السوفياتي، تم تصنيعها خصيصاً للاستخدام كأسلحة كيميائية. 1
مرتجل وغير دقيق: تصاميم ذخائر الكلورين
الذي يتم إطلاقه برّاً
الذي يتم إطلاقه جواً
بالاعتماد على تصنيفنا للذخائر، أعدّدنا خريطة لظهور هذه الصواريخ والقنابل في أماكن مختلفة خلال فترة الحرب. على سبيل المثال، التوزع الجغرافي لأنواع واسعة من الذخائر في عدد من أماكن الحرب يبرز احتمالية وجود فجوة واضحة بين القوات السورية التي تقود حملات الأسلحة الكيميائية في شمال الغرب وفي إقليم حلب، حيث تستخدم تصاميم البراميل المتفجرة المقذوفة جواً في 91% من الحالات، وبين إقليم دمشق، حيث تستخدم الصواريخ المطلقة براً وقنابل الهاون في نسبة ذات ارتفاع كبير شبه مطابق. تساعدنا الاستثناءات المتوفرة لهذه القواعد، حيث تبرز تشكيلات مرتبطة عادة بنوع هجوم محدد في جهة أخرى ضمن البلاد، على تضييق بحثنا عن المذنب.
في حالة البراميل المتفجرة المزودة بالكلورين، يمكننا الوصول إلى نتائج متقدمة من خلال مركبة أنماط استخدام الأسلحة الكيميائية مع تاريخ انتشار الحوامات العسكرية السورية بالإضافة إلى العمليات العسكرية للقوات الموالية. يساعد هذه المهمة بشكل كبير الاستنزاف المادّي للقوى الجوية السورية. بناء على معلومات مفتوحة المصدر وتحليل صور الأقمار الصناعية، يقترح خبراء من IHS Janes أنه ومنذ تموز/يوليو 2018، 10-15 من أصل 51 مروحية ميل مي-17/8 تابعة للقوات الجوية العربية السورية بقيت قيد الاستخدام. 4
قوات النمر: عزو الأنماط
يتم وصف قوات النمر عادةً بأنها تنظيم نخبوي من القوات المسلحة السورية، وأن الفضل لها ولقائدها، العقيد سهيل الحسن، في ريادة الاستخدام الممنهج للبراميل المتفجرة في السنوات الأولى من الحرب. عام 2017، أشارت أكثر من 40 دولة عضو في الأمم المتحدة بأصابع الاتهام إلى سهيل الحسن وشركائه في المخابرات الجوية بأنهم منسقو أول حملة اعتداء تستخدم البراميل المتفجرة المزودة بالكلورين بعد تحقيق أجرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة في حالات استخدام الكلورين في سرمين، وقميناس، وتلمنس في عامي 2014 و 2015.
منذ ذلك الحين، رافقت موجات من الاعتداءات بالبراميل المتفجرة، التقليدية والكيميائية، حيثما ذهب الحسن، أو النمر، وأسطوله من المروحيات. مهمة تتبع هجماتهم أصبحت أسهل بكثير عام 2016، حين قام ناشطون مدنيون بإنشاء نظام متكامل لمراقبة العمليات الجوية السورية والروسية في البلاد.
فرز قوات النمر (2016 – 2018)
من قاعدتهم الأم في قاعدة حماة الجوية …
… فرزت قوات النمر إلى معامل الدفاع في السفيرة للقتال في عملية حلب العسكرية في أواخر 2016 ...
عملية حلب العسكرية (2016)
… ومن ثم عادت إلى قاعدة حماة الجوية لتشن ضربات جوية في محافظتيّ حماة وإدلب
عملية شمال حماة العسكرية (2017)
عملية وسط سوريا العسكرية (2017)
في صيف العام 2017 فرزت قوات النمر إلى قاعدة طياس الجوية وقاعدة دير الزور الجوية في وسط وشمال سوريا من أجل المعركة مع الدولة الإسلامية.
عملية شمال غرب سوريا العسكرية (2017-2018)
في أيلول/سبتمبر 2017، أعيد فرز قوات النمر من وسط سوريا إلى شمال حماة ترقباً لعملية عسكرية بقيادة روسية ضد معقل قوات المعارضة في الجيب شمال الغربي. تعقب الطيران يظهر انتقال في حركة الميل Mi-8/17 متوافقاً مع إعادة فرز قوات النمر، من قاعدة طياس الجوية إلى قاعدة حماة الجوية…
… ولاحقاً إلى ما يعرف بأكاديمية المركبات، قاعدة العمليات الأمامية وقاعدة الحوامات التي تم تأسيسها 20 كيلومتراً شمال مدينة حماة. شهدت هذه القاعدة الصغيرة 61% من كافة انطلاقات الميل Mi-8/17 في سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2017.
الهجوم على سراقب
كان من تلك القاعدة، في 4 شباط/فبراير 2018، الساعة 9:02 مساءً، أن انطلقت حوامة من قوى الجو السورية تحمل رمز النداء اللاسلكي "ألفا 253" لكي تلقي حاويتيّ كلورين متفجرتين صفراوي اللون على الأطراف الشرقية لبلدة سراقب التي تسيطر عليها المعارضة.
معركة الغوطة الشرقية (2018)
بعد ذلك بحوالي أسبوع، في 13 شباط/فبراير، أعلنت القوات العسكرية السورية إعادة فرز قوات النمر إلى ريف دمشق، دعماً لحملة عسكرية أخيرة تهدف لدحر المعارضة في الجيب التي تسيطر عليه في الغوطة الشرقية. مجدداً، يمكن ملاحظة الانتقال المتطابق في الحركة الجوية مع الحركة البرية.
ابتداءً من 18 شباط/فبراير، أطلقت حوامات الميل Mi-8/17 التي تطير من قاعدة الضمير الجوية موجات من البراميل المتفجرة التقليدية، وأحياناً الكيميائية، على أرجاء الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة. تحدث ناجون محليون عن دهشتهم وعدم قدرتهم على التأقلم مع كمية الذخائر غير المسبوقة التي يتم إطلاقها عليهم.
الهجوم على دوما
بيانات بحسب القطاع تم جمعها من قبل مسعفين أوليين تسمح لنا حتى بتعقب التقدم التدريجي للحملة العسكرية عبر الجيب، يوماً بعد يوم، بلدة بعد بلدة، حتى الهجمة الأخيرة على دوما.
في هذا الهجوم، وصل القصف العشوائي إلى ذروته مع ضربتين ذائعتي الصيت بالأسلحة الكيميائية في 7 نيسان/أبريل، أطلقتا من قاعدة الضمير الجوية، واشتملتا على حاويتين متفجرتين صفراوين مزودتان بالكلورين.
العملية العسكرية على جنوب سوريا (2018)
بعيد معركة الغوطة الشرقية، انتقلت قوات النمر إلى الجنوب دعماً للعملية العسكرية على جنوب سوريا في صيف العام 2018، في حين انتقلت الحوامات إلى قاعدة خلخالة الجوية.
لم يتم اتهام قوات النمر بارتكاب الاعتداء الكيميائية على دوما ولا معاقبتها خلال الضربات العقابية الأمريكية. لم يقم أي تدخل خارجي بعمل أي شيء لردع الأسطول المروحيّ السوري حتى التدخل التركي في أوائل العام 2020.
استخدام الكلورين في الحملات العسكرية
كما يرجح مثال قوات النمر، بإمكاننا ربط الموجات البارزة من استخدام الأسلحة الكيميائية بكبرى عمليات الحكومة السورية العسكرية خلال الحرب. من خلال مراجعة بياناتنا، تتوافق الارتفاعات في معدل حوادث الأسلحة الكيميائية بوضوح مع بعض المعارك المفصلية خلال السنوات الست الماضية – منذ استخدامها الأول في حصار حمص في أواخر العام 2012، وحتى الاستسلام في دوما عام 2018.
حالات استخدام اسلحة الكلورين المثبتة عبر الزمن (بحسب الإقليم)
بإمكاننا ملاحظة أول ارتفاع كبير في استخدام الكلورين حين كانت القوات الحكومية تحاول بصعوبة ردع عملية عسكرية في حماة في ربيع العام 2014. تبعاً، يمكننا التفريق بين ذروات ملحوظة بين العملية العسكرية لقوى المعارضة في 2015 بإدلب، معركة حلب في 2016، والعملية العسكرية على الغوطة الشرقية في 2018. ما لا يظهر في الجداول البيانية ولكنه يظهر في البيانات هو أن الهجمات الفردية التي تدعم صغرى العمليات العسكرية السورية، مثل دفاع القوات الموالية عن دير الزور في 2015 وسيطرتها على بيت جن في 2016.